لا يرحم التاريخ أحدًا؛ فهو يوثق كل شيء. وإذا لم تستطع غزة أن تكسر أوهامنا، فلن يفعل شيء آخر، حتى ينعكس المنطق الذي صغناه في الخارج علينا نحن في الداخل. هذا ما تؤكده افتتاحية الجارديان حول مستقبل غزة.

يتضح في هذه الافتتاحية أن إسرائيل تقف أمام خيار مصيري، وكذلك حلفاؤها. صحيح أن الضغوط الدولية دفعت إسرائيل للسماح بدخول شحنات محدودة من المساعدات إلى غزة، لكن الكميات هزيلة للغاية، والفلسطينيون ما زالوا يموتون جوعًا. وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن إسرائيل قتلت أكثر من 62 ألف شخص، معظمهم نساء وأطفال.

ظهر تسجيل لرئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق، أهارون حاليفا، الذي كان مسؤولًا وقت هجوم حماس عام 2023، وهو يقول: "مقابل كل شخص في السابع من أكتوبر، يجب أن يموت 50 فلسطينيًا. لم يعد يهم إن كانوا أطفالًا." هذا التصريح ليس انتقامًا بائسًا فحسب، بل اعتراف صريح بجريمة حرب.

 

خطط لاحتلال غزة المدينة

تتجه حصيلة القتلى إلى الارتفاع مجددًا بعد أن صادق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت على خطط لاستدعاء 60 ألف جندي بهدف السيطرة على غزة واحتلالها. هذه الخطط تعني تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وإغراق المدنيين المنهكين اليائسين في كارثة أعمق. لكن بنيامين نتنياهو يملك بديلًا واضحًا: قبول مقترح لوقف إطلاق النار وافقت عليه حماس بالفعل، ويقال إنه يكاد يتطابق مع خطة سابقة عرضها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، ووافقت عليها إسرائيل نفسها.

يؤمن نتنياهو، الذي يواجه محاكمة فساد وشيكة، أن استمرار الحرب بلا نهاية قد يبقيه في السلطة ويحميه من السقوط. لكن المفاوضات ما زالت جارية، والحرب تواجه اعتراضًا متصاعدًا داخل إسرائيل، رغم أن هذه المعارضة قد تدفعه أكثر للاعتماد على ائتلافه اليميني المتطرف. ورغم وجود تقارير عن تذمر عسكري، إلا أن الجيش ماضٍ في وضع وتنفيذ خطط الهجوم على غزة المدينة. في المقابل، أظهر استطلاع رأي أن 74% من الإسرائيليين يريدون نهاية الحرب، وشهدت عطلة نهاية الأسبوع احتجاجات ضخمة، ركز معظمها على قضية الرهائن والخسائر في صفوف الجنود. لكن استطلاعًا آخر الشهر الماضي كشف أن 79% من اليهود الإسرائيليين "غير منزعجين كثيرًا" أو "غير منزعجين إطلاقًا" من تقارير المجاعة والمعاناة في غزة.

 

عزلة إسرائيل الدولية

على الساحة الدولية، يتغذى الغضب المتزايد من مشاهد المعاناة الفلسطينية ليعزز الدعوات لوقف الحرب، ويقوّض مكانة إسرائيل وتحالفاتها يومًا بعد يوم. وأظهر استطلاع أجرته رويترز أن 58% من الأمريكيين يؤيدون الاعتراف بدولة فلسطينية، وأن 59% يرون أن أفعال إسرائيل في غزة مفرطة. الأردن وصف خطة غزة المدينة بأنها "تدمير كامل لآفاق السلام في الشرق الأوسط"، بينما حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنها ستجلب "كارثة حقيقية". أما هجوم نتنياهو اللفظي على منتقديه، مثل رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيزي واصفًا إياه بالضعيف، فقد زاد من عزلته وأضعف صورته بدلًا من ترميمها.

في غزة المدينة، لا يملك الفلسطينيون إلا خيارين أحلاهما مرّ: إما البقاء في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي، أو محاولة الفرار بأجساد واهنة إلى مصير مجهول بلا مكان آمن. لكن العالم خارج غزة يملك خيارات أخرى: يمكن أن يمنحهم مستقبلًا، أو يبقى متواطئًا في المأساة.

 

وقف إطلاق النار ضرورة عاجلة

تزداد الحاجة إلى وقف إطلاق النار إلحاحًا أكثر من أي وقت مضى. الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يستطيع إنهاء المجزرة ووقف سياسة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل. لكن بدلاً من ذلك، فرضت إدارته عقوبات جديدة على موظفين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب القضية المرفوعة ضد نتنياهو. وإذا كان ترامب يأمل في التوصل إلى "صفقة شرق أوسطية شاملة"، فلن تُبنى على أنقاض غزة المدينة.

تدعو الافتتاحية دول العالم إلى المضي أبعد من الاعتراف الرمزي بدولة فلسطينية. فالخطوة الحاسمة تكمن في وقف جميع صفقات السلاح مع إسرائيل، وفرض مزيد من العقوبات، واستخدام أدوات الضغط الاقتصادي: من إنهاء دخولها المعفى من الرسوم الجمركية إلى الأسواق، وصولًا إلى تعليق مشاركتها في برنامج "هورايزن يوروب" للأبحاث العلمية.

 

بين الاختيار والتواطؤ

الخلاصة التي ترسمها الجارديان واضحة: إسرائيل أمام مفترق طرق تاريخي. يمكنها أن تختار وقف القتل وقبول تسوية تفتح الطريق لسلام عادل، أو تواصل طريق الحرب والاحتلال الذي يغرقها في مزيد من العزلة الأخلاقية والسياسية. أما حلفاؤها، فعليهم أن يقرروا: إما الكف عن التواطؤ مع جرائم الحرب، أو مواجهة مسؤولية التاريخ حين يحاسبهم على صمتهم.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/20/the-guardian-view-on-gazas-future-israel-should-end-the-killing-its-allies-must-not-remain-complicit